فصل: تفسير الآيات (41- 44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (41- 44):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)}

.شرح الكلمات:

{يا أيها الذين آمنوا}: أي يا من آمنتم بالله رباً وبالإِسلام ديناً وبمحمد رسولاً.
{اذكروا الله ذكراً كثيراً}: أي بقلوبكم والسنتكم.
{وسبحوه بكرة واصيلاً}: أي نزهوه بقول سبحان الله وبحمده صباحاً ومساء.
{هو الذي يصلي عليكم}: أي يرحمكم.
{وملائكته}: أي يستغفرون لكم.
{ليخرجكم من الظلمات}: أي يرحمكم ليديم اخراجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان.
{تحيتهم يوم يلقونه سلام}: أي سلام عليكم فالملائكة تسلم عليهم.
{وأعد لهم أجراً كريما}: أي وهيأ لهم أجراً كريماً وهو الجنة.

.معنى الآيات:

هذا النداء الكريم من رب رحيم يوجه إلى المؤمنين الصادقين ليعلمهم ما يزيد به إيمانهم ونورهم، ويحفظون به من عدوهم وهو ذكر الله فقال تعالى لهم {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً} لا حد ولا حصر إذ هو الطاقة التي تساعد على الحياة الروحية، وسبحوه بكرة وأصيلاً بصلاة الصبح وصلاة العصر. ويقول سبحان الله والحمد لله والله اكبر دبر كل صلاة من الصلوات الخمس. وقوله تعالى: {هو الذي يصلى عليكم وملائكته} وصلاته تعالى عليهم رحمته لهم، وصلاة ملائكته الاستغفار لهم وقوله ليخرجكم من الظلمات أي من ظلمات الكفر والمعاصي إلى نور الإِيمان والطاعات. فصلاته تعالى وصلاة ملائكته هي سبب الإِخراج من الظلمات إلى النور. وقوله تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيما} وهذه علاوة أخرى زيادة على الإِكرام الأول وهو الصلاة عليهم وإنه بالمؤمنين عامة رحيم فلا يعذبهم ولا يشقيهم. وقوله: {تحيتهم يوم يلقونه سلام} أي وتحيتهم يوم القيامة في دار السلام السلام إذْ الملائكة يدخلون عليهم من كل باب قائلين سلام عليكم أي أمان وأمنةٌ لكم فلا خوف ولا حزن. وقوله: {وأعد لهم أجراً كريماً} أي هيأ لهم وأحضر أجراً كريماً وهي الجنة. فسبحان الله ما أكرمه وسبحان الله ما أسعد المؤمنين. فيا لفضيلة الإِيمان وطاعة الرحمن طلب منهم أن يذكروه كثيراً وأن يسبحوه بكرة واصيلاً وأعطاهم مالا يقادر قدره فسبحان الله ما أكرم الله. والحمد لله.

.من هداية الآيات:

1- وجوب ذكر الله تعالى كثيراً ليل نهار ووجوب تسبيحه صباح مساء.
2- بيان فضل الله على المؤمنين بصلاته عليهم وصلاة ملائكته ورحمته لهم.
3- تقرير عقيدة البعث بذكر بعض ما يتم فيها من سلام الملائكة على أهل الجنة.
4- بشرى المؤمنين الصادقين بالجنة.

.تفسير الآيات (45- 48):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)}

.شرح الكلمات:

{شاهدا}: أي على من أرسلناك إليهم.
{ومبشراً}: أي من آمن وعمل صالحاً بالجنة.
{ونذيراً}: أي لمن كفر وأشرك بالنار.
{وداعيا إلى الله بإذنه}: أي وداعياً إلى الإِيمان بالله وتوحيده وطاعته بأمره تعالى. {وسراجاً منيرا}: أي وجعلك كالسراج المنير يهتدي به من أراد الهداية إلى سبيل الفلاح.
{ولا تطع الكافرين والمنافقين}: أي فيما يخالف أمر ربك وما شرعه لك ولأُمتك.
{ودع اذاهم}: أي اترك أذاهم فلا تُقابلهُ بأذًى آخر حتى تُأْمر فيهم بأمر.
{وتوكل على الله}: أي فوض أمرك إليه فإنه يكفيك.

.معنى الآيات:

هذا نداء خاص بعد ذلك النداء العام فالأول كان للمؤمنين والرسول إمامهم على رأسهم وهذا نداء خاص لمزيد تكريم الرسول وتشريفه وتكليفه أيضا فقال تعالى: {يا أيها النبي} محمد صلى الله عليه وسلم {إنا أرسلناك} حال كونك شاهداً على من أرسلناك غليهم يوم القيامة تشهد على من أجاب دعوتك ومن لم يجبها، ومبشراً لمن استجاب لك فآمن وعمل صالحاً بالجنة، ونذيراً لمن أعرض فلم يؤمن ولم يعمل خيراً بعذاب النار، وداعياً إلى الله تعالى عباده إليه ليؤمنوا به ويوحدوه ويطيعوه بأمره تعالى لك بذلك، وسراجاً منيراً يهتدي بك من اراد الاستهداء إلى سبيل السعادة والكمال.
وقوله تعالى: {وبشر المؤمنين} أي أنظر بعد دعوتك إياهم، وبشر المؤمنين منهم أي الذين استجابوا لك وآمنوا وعملوا الصالحات بأن لهم من الله فضلا كبيراً ألا وهو مغفرة ذنوبهم وإدخالهم الجنة دار النعيم المقيم والسلام التام. وقوله تعالى: {ولا تطع الكافرين والمنافقين} فيما يقترحون عليك من أمور تتنافى مع دعوتك ورسالتك، ودع أذاهم أي اترك أذيتهم واصبر عليهم حتى يأمرك ربك بما تقوم به نحوهم، وتوكل على الله في أمرك كله، فإنه يكفيك وكفى بالله وكيلاً أي حافظاً وعاصماً يعصمك من الناس.

.من هداية الآيات:

1- بيان الكمال المحمدي الذي وهبه إياه ربّه تبارك وتعالى.
2- مشروعية الدعوة إلى الله إذا كان الداعى متأهلاً بالعلم والحلم وهما الإِذن.
3- حرمة طاعة الكافرين والمنافقين والفجرة والظالمين فيما يتنافى مع مرضاة الله تعالى.

.تفسير الآية رقم (49):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)}

.شرح الكلمات:

{يا أيها الذين آمنوا}: أي يا من صدقوا بالله ورسوله وكتابه وشرعه.
{إذا نكحتم المؤمنات}: أي إذا عقدتم عليهن ولم تبنوا بهن.
{من قبل أن تمسوهن}: أي من قبل الخلوة بهن ووطئهن.
{فما لكم عليهن من عدة}: أي ليس لكم مطالبتهن بالعدة إذ العدة على المدخول بها.
{فمتعوهن}: أي أعطوهن شيئاً من المال يتمتعن به جَبْراً لخاطرهن.
{وسرِّحوهن سراحا جميلا}: أي اتركوهن يذهبن إلى أهليهن من غير إضرارٍ بهن.

.معنى الآية الكريمة:

ينادى الله تعالى عباده المؤمنين المسلمين فيقول لهم معلماً مشرعاً لهم: {إذا نكحتم المؤمنات} أي عقدتم عليهن، {ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} أي من قبل الدخول عليهن الذي يتم بالخلوة في الفراش، {فما لكم عليهن من عدة} تعتدونها عليهن لا بالاقراء ولا بالشهور إذْ العدة لمعرفة ما في الرحم وغير المدخول بها معلومة أن رحمها خالية، فإن سميتم لهنّ مهراً فلهن نصف المُسمَّى والمتعة على سبيل الاستحباب، وإن لم تسموا لهن مهراً فليس لهن غير المتعة وهى هنا واجبة لهن بحسب يسار المُطلِّق وإعْساره وقوله: {وسرحوهن سراحا جميلاً} أي خلوا سبيلهن يذهبن غلى ذويهن من غير إضرار بهن ولا أذى تلحقونه بهن.

.من هداية الآية الكريمة:

1- جواز الطلاق قبل البناء.
2- ليس على المطلقة قبل الدخول بها عدة بل لها أن تتزوج ساعة ما تطلق.
3- المطلقة قبل البناء إن سمى لها صداق فلها نصفه، وإن لم يسم لها صداق فلها المتعة واجبة يقدرها القاضي بحسب سعة المطلق وضيقه.
4- حرمة أذية المطلقة بأي أذى، ووجوب تخلية سبيلها تذهب حيث شاءت.
5- مشروعية المتعة لكل مطلقة.

.تفسير الآية رقم (50):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)}

.شرح الكلمات:

{آتيت أجورهن}: أي أعطيت مهورهن.
{مما أفاء الله عليك}: أي مما يسبى كصفية وجويرية.
{اللاتى هاجرن معك}: أي بخلاف من لم تهادر وبقيت في دار الكفر.
{وهبت نفسها للنبي}: أي وأراد النبي أن يتزوجها. بغير صداق.
{خالصة لك من دون المؤمنين}: أي بدون صداق.
{قد علمنا ما فرضنا عليهم}: أي على المؤمنين.
{في أزواجهم}: أي من الأحكام كأن لا يزيدوا على أربع، وأن لا يتزوجوا الا بولى ومهر وشهود.
{وما ملكت ايمانهم}: أي بشراء ونحوه وأن تكون المملوكة كتابية، وأن تستبرأ قبل الوطء.
{لكيلا يكون عليك حرج}: أي ضيق في النكاح.

.معنى الآية الكريمة:

هذا النداء الكريم لرسول ربّ العالمين يحمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إجازة ربانية تخفف عنه أتعابه التي يعانيها صلى الله عليه وسلم لقد علم الله ما يعاني رسوله ومايعالج من أمور الدين والدنيا فمنَّ عليه بالتخفيف ورفع الحرج فقال ممتناً عليه {يا أيها النبي إنا أحللنا أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} أي مهورهن وأحللنا لك {ما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك} من سبايا الجهاد كصفية بنت حبيب وجويرية بنت الحارث، {وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك} من مكة إلى المدينة.
أما اللاتي لم تهاجر فلا تَحِلّ لك، وامرأة مؤمنة أي وأحللنا لك امرأة مؤمنة لا كافرة إن وهبت نفسها للنبي بدون مهر وأراد النبي أن يستنكحها حال كون هذه الواهبة خالصة لك دون المؤمنين فالمؤمن لو وهبت له امرأة نفسها بدون مهر لم تحل له بل لابد من المهر والولي والشهود.
وقوله تعالى: {قد علمنا ما فرضنا عليهم} أي على المؤمنين في أزواجهم من أحكام كأن لا يزيد الرجل على أربع، وأن لا يتزوج إلا بولي ومهر وشهود، والمملوكة لابد أن تكون كتابية أو مسلمة، وأن لا يطأها قبل الاستبراء بحيضة قد علمنا كل هذا وأحللنا لك ما أحللنا خصوصية لك دون المؤمنين وذلك تخفيفاً عليك لكيلا يكون عليك حرج أي ضيق ومشقة وكان الله غفوراً لك ولمن تاب من المؤمنين رحيماً بك وبالمؤمنين.

.من هداية الآية:

1- بيان إكرام الله تعالى لنبيه في التخفيف عليه رحمة به فاباح له أكثر من أربع، وقصر المؤمنين على أربع اباح له الواهبة نفسها أن يتزوجها بغير مهر ولا ولي ولم يبح ذلك للمؤمنين فلابد من مهر وولي وشهود.
2- تقرير أحكام النكاح للمؤمنين وأنه لم يطرأ عليها نسخ بتخفيف ولا بتشديد.
3- بيان سعة رحمة الله ومغفرته لعباده المؤمنين.

.تفسير الآيات (51- 52):

{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)}

.شرح الكلمات:

{ترجى من تشاء منهن}: أي تؤخر من نسائك.
{وتؤوي إليك من تشاء}: أي وتضم إليك من نسائك من تشاء فتأتيها.
{ومن ابتغيت}: أي طلبت.
{ممن عزلت}: أي من القسمة.
{فلا جناح عليك}: أي لا حرج عليك في طلبها وضمها إليك خيره ربه في ذلك بعد أن كان القسم واجبا عليه.
{ذلك أدنى أن تقر أعينهن}: أي ذلك التخيير لك في إِيواء من تشاء وترك من تشاء اقرب إلى أن تقر أعينهن ولا يحزن.
{ويرضين بما آتيتهن}: أي مما أنت مخير فيه من القسم وتركه، والعزل والايواء.
{والله يعلم ما في قلوبكم}: أي من حب النساء- أيها الفحول- والميل إلى بعض دون بعض وإنما خير الله تعالى رسوله تيسيراً عليه لعظم مهامه.
{وكان الله عليما حليما}: أي عيما بضعف خلقه حليما عليهم لا يعاجل بالعقوبة ويقبل التوبة.
{لا يحل لك النساء من بعد}: أي لا يجوز لك أن تتزوج بعد هؤلاء التسعة اللاتي اخترنك إكراماً لهن وتخفيفاً عنك.
{ولا أن تبدل بهن من أزواج}: أي بأن تطلق منهن وتتزوج أخرى بدل المطلقة لا. لا.
{ولو أعجبك حسنهن}: ما ينبغي أن تطلق من هؤلاء التسع وتتزوج من أعجبك حسنها.
{إلا ما ملكت يمينك}: أي فالأمر في ذلك واسع فلا حرج عليك في التسرى بالمملوكة، وقد تسرى صلى الله عليه وسلم بمارية المهداة إليه من قبل ملك مصر وولدت له إبراهيم ومات في سن رضاعه عليه السلام.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في شأن التيسير على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تقدم أنه أُحل له النساء يتزوج من شاء مما ذكر له وخصه بالواهبة نفسها يتزوجها بدون مهر ولا ولي وفي هذه الآية الكريمة (51): {ترجى من تشاء منهن} الآية وسع الله تعالى عليه بأن أذن له في أن يعتزل وطء من يشاء، وأن يرجئ من يشاء، وأن يؤوي إليه ويضم من يشاء وأن يطلب من اعتزلها إن شاء فلا حرج عليه في كل ذلك، ومع هذا فكان يقسم بَيْنَ نسائه، ويقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك اللهم إلا ما كان من سودة رضي الله عنها فإنها وهبت ليلتها لعائشة رضي الله عنها. هذا ما دل عليه قوله تعالى: {ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك} وقوله ذلك أدنى أي ذلك التخيير لك في شأن نسائك اقرب أن تقر أعينهن أي يفرحن بك، ولا يحزن عليك، ويرضين بما تتفضل به عليهن من إيواء ومباشرة.
وقوله تعالى: {والله يعلم ما في قلوبكم} أي أيها الناس من الرغبة في المخاطبة، وميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض، وإنما خيَّر الله رسوله هذا التخيير تيسيراً عليه وتخفيفاً لما له من مهام لا يطمع فيها عظماء الرجال ولو كان في القوة والتحمل كالجبال أو الجمال.
وقوله تعالى: {وكان الله عليما} أي بخلقه وحاجاتهم. حليماً عيهم لا يعاجل بالعقوبة ويقبل ممن تاب التوبة.
وقوله تعالى في الآية (52): {لا يحل لك النساء من بعد} أي لا يحل لك يا رسولنا النساء بعد هؤلاء التسع اللائى خيرتهن فاخترن الله واخترنك وأنت رسوله واخترن الدار الآخرة فاعترافا بمقامهن قصرك الله عليهن بعد الآن فلا تطلب امرأة أُخرى ببدل أو بغير بدل، ومعنى ببدل: أن يطلق منهن واحدة أو أكثر ويتزوج بدلها. وهو معنى قوله تعالى: {ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن} وقوله: {إلا ما ملكت يمينك} أي فلا باس بأن تتسرى بالجارية تملكها وقد تسرى بمارية القبطية التي أهداها له المقوقس ملك مصر مع بغلة بيضاء تسمى الدُّلْدُلْ وهي أول بغلة تدخل الحجاز، وقد أنجبت مارية إبراهيم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفى في أيام رضاعه عليه وعلى والده ألف ألف سلام.
وقوله تعالى: {وكان الله على كل شيء رقيباً} أي حفيظاً عليما فخافوه وراقبوه ولا تطلبوا رضا غيره برضاه فإِنه إلهكم الذي لا إله لكم سواه به حياتكم وإليه مرجعكم بعد مماتكم.

.من هداية الآيات:

1- بيان إكرام الله تعالى لرسوله بالتيسير والتسهيل عليه لكثرة مهامه.
2- ما خير الله فيه رسوله لا يصح لأحد من المسلمين اللهم إلا أن يقول الرجل للمرأة كبيرة السن أو المريضة أي فلانة إني أريد أن أتزوج أحصن نفسي وأنت كما تعلمين عاجزه فإن شئت طلقتك، وإن شئت تنازلت عن ليلتك فإن اختارت البقاء مع التنازل عن حقها في الفراش فلا بأس بذلك.
3- في تدبير الله لرسوله وزوجاته من الفوائد والمصالح مالا يقادر قدره.
4- تقرير مبدأ (ما ترك أحد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه) تجلَّى هذا في اختيار نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لله ورسوله والدار الآخرة.
5- وجوب مراقبة الله تعالى وعدم التفكير في الخروج عن طاعته بحال من الأحوال.

.تنبيه هام:

إذنُ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالزواج بأكثر من اربع كان لحكم عالية، وكيف والمشرع هو الله العليم الحكيم من تلك الحكم العالية ما يلي:
(1) اقتضاء التشريع الخاص بالنساء ومنه مالا يطلع عليه إلا الزوجان تَعَدُّدَ الزوجات ليروين الأحكام الخاصة بالنساء، ولصحة الرواية وقبولها في الأمة تعدد الطرق وكثرة الرواة والروايات.
(2) تطلُّب الدعوة الإِسلامية في أيامها الأولى مناصرين لها أقوياء ولا أفضل من أصهار الرجل الداعى فإنهم بحكم العرف يقفون إلى جنب صهرهم محقاً أو مبطلاً كان.
(3) أن المؤمنين لا أحب إليهم من مصاهرة نبي الله ليظفروا بالدخول عليه في بيته والخلوة به وماأعزها. فأي المؤمنين من لا يرغب أن تكون أمه أو أخته أو بنته أما لكل المؤمنين إني والله لا أحب إليّ من أن أكون أنا وزوجتي وسائر أولادي خدماً في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلذا وسع الله على رسوله ليتَّسع على القل للأرامل وربات الشرف حتى لا يدنس شرفهن.
(4) قد يحتاج رسول الله صلى الله عليه سولم إلى مكافأة بعض من أحسن إليه ولم يجد ما يكافئه به ويراه راغباً في مصاهرته فيجيبه لذلك ومن هذا زواجه بكل من عائشة بنت الصديق وحفصة بنت الفاروق رضي الله عنهم أجمعين.
(5) قد زوجه ربّه بزينب وهو كاره لذلك يتهرب منه خشية قالة الناس وما كانوا يعدونه منكراً وهو التزوج بامرأة الدعى المتبنى بعد طلاقها أو موت زوجها هذه بعض الحكم التي اقتضت الإِذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في التزوج أكثر من اربع مع عامل آخر مهم وهو قدرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على العدل والكفاية الأمر الذي لن يكون لغيره ابداً.

.تفسير الآيات (53- 55):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)}

.شرح الكلمات:

{يا أيها الذين آمنوا}: أي يا من صدقوا بالله وعده ووعيده وبالرسول وما جاء يه.
{إلا أن يؤذن لكم}: أي في الدخول بأن يدعوكم إلى طعام.
{غير ناظرين إناه}: أي غير منتظرين وقت نضجه أي فلا تدخلوا قبل وقت إحضار الطعام وتقدم المدعوين إليه بأن يستغل أحدكم الاذن بالدعوة للطعام فيأتي قبل الوقت ويجلس في البيت فيضايق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله.
{فاذا طعمتم فانتشروا}: أي إذا أكلتم الطعام وفرغتم فانتشروا عائدين الي بيوتكم أو أعمالكم ولا يبق منكم أحد.
{ولا مستأنسين لحديث}: أي ولا تمكثوا مستأنسين لحديث بعضكم بعضاً.
{إن ذلكم كان يؤذي النبي}: أي ذلكم المكث في بيوت النبي كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم.
{فيستحي منكم}: أي أن يخرجكم.
{والله لا يستحي من الحق}: أن يقوله ويأمر به ولذا أمركم أن تخرجوا.
{من وراء حجاب}: أي ستر كباب ورداء ونحوه.
{أطهر لقلوبكم وقلوبهن}: أي من الخواطر الفاسدة.
{إن ذلكم كان عند الله عظيما}: أي إن اذاكم لرسول الله كان عند الله ذنباً عظيما.
{إن تبدوا شيئاً وتخفوه}: أي إن تظهروا رغبة في نكاح أزواج الرسول بعد وفاته أو تخفوه في نفوسكم فسيجزيكم الله به شر الجزاء.
{لا جناح عليهن في آبائهن...} إلخ: أي لا حرج على نساء الرسول في أن يظهرن لمحارمهن المذكورين في الآية.
{ولا نسائهن}: أي المؤمنات أما الكافرات فلا.
{ولا ما ملكت أيمانهن}: أي من الإِماء والعبيد في أن يرونهن ويكملونهن من دون حجاب.
{واتقين الله}: أي يا نساء النبي فيما أُمرتن به من الحجاب وغيره.

.معنى الآيات:

لما بين تعالى لرسوله ما ينبغي له مراعاته من شأن أزواجه أمهات المؤمنين بين تعالى بهذه الآية (54) ما يجب على المؤمنين مراعاته أيضا نحو أزواج النبي أمهاتهم فقال: {يا أيها الذين آمنوا} حقا وصدقا {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} بالدخول غلى طعام تطعمونه غير ناظرين إناه أي وقته، وذلك أن هذه الآية والمعروفة بآية الحجاب نزلت في شأن نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أكلوا طعام الوليمة التي أقامها رسول الله لما زوجّه الله بزينب بنت جحش رضي الله عنها، وكان الحجاب ما فرض بعد على النساء مكثوا بعد انصراف الناس يتحدثون فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أمامهم لعلهم يخرجون فما خرجوا وتردد رسول الله على البيت فيدخل ويخرج رجاء أن يخرجوا معه فلم يخرجوا واستحى صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هيا فاخرجوا. فأنزل الله تعالى هذه الآية فقوله تعالى: {غير ناظرين إناه} يعني ذلك النفر ومن يريد أن يفعل فعلهم فإذا وجه إليه أخوه استدعاء لحضور وليمة بعد الظهر مثلاً أتى إلى المنزل من قبل الظهر يضايق أهل المنزل فهذا معنى غير ناظرين إناه أي وقته لأن الإِنى هو الوقت.
وقوله ولكن إذا دعيتم فادخلوا أي فلا تدخلوا بدون دعوة أو إذن فإذا طعمتم أي فرغتم من الأكل فانصرفوا منتشرين في الأرض فهذا إلى بيته وهذا إلى بيت ربه وهذا إلى عمله. وقوله: {ولا مستأنسين لحديث} أي ولا تمكثوا بعد الطعام يحدث بعضكم بعضاً مستأنسين بالحديث. حرم تعالى هذا عليكم أيها المؤمنون لأنه يؤذى رسوله. وان كان الرسول لكمال أخلاقه لا يأمركم بالخروج حياءً منكم فالله لا يستحي من الحق فلذا أمركم بالخروج بعد الطعام مراعاة لمقام رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعاً} أي طلبتم شيئاً من الأمتعة التي توجد في البيت كإِناء ونحوه فاسألوهن من وراء حجاب أي باب وستر ونحوهما لا مواجهة لحرمة النظر إليهن. وقوله ذلكم أطهر لقلوبكم أنتم أيها الرجال وقلوبهن ايتها الأمهات أطهر أي من خواطر السوء الفاسدة التي لا يخلو منها قلب الإِنسان إذا خاطب فحل أنثى أو خاطبت امرأة فحلا من الرجال.
وقوله تعالى: {وما كان لكم} أي ما ينبغي ولا يصح أن تؤذوا رسول الله أي أذًى ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أي ولا أن تتزوجوا بعد وفاته نساءه فإنهن محرمات على الرجال تحريم الأُمهات تحريماً مؤبداً لا يحل بحال، وقوله تعالى: {إن ذلكم} أي المذكور من اذى رسول الله والزواج من بعده بنسائه كان عند الله أي في حكمه وقضائه وشرعه ذنباً عظيماً لا يقادر قدره ولا يعرف مدى جزائه وعقوبته إلا الله.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (53) وقوله تعالى: {إن تبدوا شيئاً} أي تظهروه {أو تخفوه} أي تستروه يريد من الرغبة في الزواج من نساء الرسول بعد موته صلى الله عليه وسلم {فإن الله كان بكل شيء عليماً} وسيجزيكم بتلك الرغبة التي أظهرتموها وأخفيتموها في نفوسكم شرَّ الجزاء واسوأه. فاتقوا الله وعظموا ما عظم من حرمات رسوله صلى الله عليه وسلم. هذا ما دلت عليه الآية (54).
وقوله تعالى في الآية (55): {لا جناح عليهن} أي لا تضييق ولا حرج ولا إثم على النساء المؤمنات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من نساء المؤمنين في أن يظهرن وجوههن ويكلمن بدون حجاب أي وجها لوجه آباءهن الأب والجد وان علا، وابناءهن الابن وابن الابن وان نزل وابن البنت كذلك وان نزل. واخوانهن وابناء اخوانهن وان نزلوا وأبناء أخواتهن وان نزلوا، ومما ليكهن من إماء وعبيد.
وقوله تعالى: {واتقين الله إن الله بكل شيء عليماً} أمر من الله لنساء النبي ونساء المؤمنين بتقوى الله فيما نهاهن عنه وحرمه عليهن من ابداء الوجه للأجانب غير المحارم المذكورين في الآية وتذكيرهم بشهود الله تعالى لكل شيء واطلاعه على كل شيء ليكون ذلك مساعاداً على التقوى.

.من هداية الآيات:

1- بيان ما ينبغي للمؤمنين أن يلتزموه من الآداب في الاستئذان والدخول على البيوت لحاجة الطعام ونحوه.
2- بيان كمال الرسول صلى الله عليه وسلم في خلقه في أنه ليستحي أن يقول لضيفه أُخرج من البيت فقد انتهى الطعام.
3- وصف الله تعالى نفسه بأنه لا يستحي من الحق أن يقوله ويأمر به عباده.
4- مشروعية مخاطبة الأجنبية من وراء حجاب ستر ونحوه.
5- حرمة أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم وانها جريمة كبرى لا تعادل بأخرى.
6- بيان أن الإِنسان لا يخلو من خواطر السوء إذا كلم المرأة ونظر إليها.
7- حرمة نكاح أزواج الرسول بعد موته وحرمة الخاطر يخطر بذلك.
8- بيان المحارم الذين للمسلمة أن تكشف وجهها أمامهم وتخاطبهم بدون حجاب.
9- الأمر بالتقوى ووعيد الله لمن لا يتقه في محارمه.